fbpx

مثقّف التنوير والتحرير

مثقّف التنوير والتحرير

14 يونيو، 2018

titre

مثقّف التنوير والتحرير

مثقّف التنوير والتحرير في مواجهة مثقّف التبرير و التزويرفي تونس

لئن تميّز الوضع السياسي التونسي بثبات المشهد طيلة اكثر من نصف قرن، فقد تماهى معه المشهد الثقافي، الذي لازم بدوره الستاتيكيّة المتناقضة مع جوهر العمل الثقافي والثقافة عموما. حيث عمل الجهاز السياسي الحاكم على ايجاد مثقّفين لخدمة مشروعه المسبق الوضع، والمنسجم مع ادائه المنفرد.

وامام ما وضعه من اغراءات، تسابق الشعراء وتنافس الكتّاب وتدافع المطربون والادباء والممثلون والمسرحيون والرسامون، وكلّ من له صلة بالعمل الثقافي الاستهلاكي وتحوّلت المنتجات الثقافيّة الى بضاعة تروّج في سوق الاستهلاك السياسي. وبرزت للعموم ظاهرة المثقّف الموالي المتمعّش والمدافع عن الخيارات السياسيّة لنظام وظّفه في غير ما تقتضيه رسالة المثقّف.

السّياسي التونسي كان يكافئ هؤلاء بالمسؤوليات الاداريّة في المهرجانات ودور الثقافة و المسارح وغيرها. المحصلة، مهرجانات و جوائز واوسمة و لجان تحكيم مسيّسة تروّج للسياسي الحاكم اكثر من المثقف المبدع، وحصلنا على تظاهرات تجلب المشاهير بحثا عن المداخيل لاغير.

ويقصى من دائرة الاهتمام كلّ مثقّف رفض ان يستأجر لدى السلطة كـالفاضل الجعايبي، توفيق الجبالي كرجال مسرح و سليم دولة كفيلسوف و كاتب تونسي وشاعر. في المقابل عرف العديد من المثقفين الموالين والذين لهم حظوة واهتمام من النظام كالجامعيّة ألفة يوسف والمسرحيين عبد القادر مقداد ومنصف السويسي. وظهرت المؤلّفات المادحة على غرار كتاب “بن علي الثورة الهادئة” للجامعي و المحامي زهيّر المظفر.

بعد ثورة 17ديسمبر-14جانفي رأينا العديد من أهل الثقافة ممّن كانوا بعيدين عن السلطة، رأيناهم يهرولون الى السلطة التي اغرتهم بألقها،فتنافسوا على المسؤوليات و المناصب. فرأينا الشاعر اولاد احمد عضوا في “هيئة الاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي” و رأينا الممثل علي بنور اصبح عضوا في مجلس النوّاب و المسرحي رؤوف بن يغلان يحاول الترشّح للانتخابات الرئاسيّة، وهذا النوع من المثقفين حديث البروز في تونس. جاء هذا النوع في مجمله تقريبا بعد ان نصب لهم السياسيون فخّا وقاموا بتوظيف اسمائهم و شهرتهم تحت راية احزابهم.

الصنف الاخر و النادر في الوسط الثقافي التونسي هو ذلك النوع الذي حافظ على المسافة الفاصلة بينه و بين السلطة السياسية وآمن بالعمل الثقافي كعمل حرّ من الارتباطات و خال من الولاءات التي تكبّل الفكر المنتج للثقافة. في هذا السّياق حاورنا أحد اولئك المنتصرين لهذا التمشي وهو الفيلسوف “سليم دولة” وسألناه عن مفهوم المثقف والسلطة وعلاقتهما ببعض، ومن هو في خدمة الاخر، واصناف المثقفين وغيرها من الاسئلة فكانت هذه التصريحات:

يقول “سليم دولة” في البداية، لابدّ من تحديد مفهوم السلطة، والتي هي وفق تعريف اجرائي” المقدرة على التأثير” بهذا المعنى ثمّة اكثر من جهة تملك فاعليّة التاثير. من ذلك ان من يملك ذاكرة اقوى يكون اكثر مقدرة على التأثير-الذاكرة-التاريخ-الارشيف منبع و مصدر للسلطة بل هو رمز للمعرفة، تماما يمكن للجهل بماهو نفي و انتفاء لإمكان شروط المعرفة، ان يشكّل سلطة مضادة للسلطة العارفة. اذ كان ثمّة دائما صراع بين”النور والظلام” و بين حفاظ الذاكرة الجماعية و بين من يرغبون في محوها.

ويضيف “سليم دولة” ان كلّ سلطة تنزع الى الانتشار و التوسّع و الهيمنة بالقوّة، وهذ التعريف نابع من الحضارة اليونانية و الحضارة العربية الاسلامية. من هنا ندرك صعوبة الفصل بين السلطة في تمظهرها السياسي و بين المثقف و الذي هو من يتوفر على الحدّ الادنى من المعرفة المختصة. امّا عن المثقف فهنا وجب التمييز بين “تقني معرفة” وبين”المثقف المواطن” و حتى التمييز بينهما، وهو ما سمّاه “ادجار موران” الميتامثقف، ودون هذا التمييز لا يمكن ان ندرك حقيقة العلاقة بين المثقف والسلطة السياسية.

فقد عرّف” سارتر” صاحب مسرحيّة “الايادي القذرة” المثقف بكونه “ذلك الذي يدسّ أنفه فيما لا يعنيه”. ويقول “دولة” انّه معنيّ بالتمييز الذي قام به المفكر السويسري “جون زيكلار” حينما ميّز بين المثقف المحافظ والمثقف الملتزم. فحسب “سليم دولة” فان تونس كانت دائما تحت رعاية وملاحقة من قبل نخبة ثقافيّة اختلفت من حيث التكوين المعرفي، و تتراوح بين جماعة “النور الربّاني”و جماعة “التنوير العقلاني”. وحسب رأي محدثنا، تبقى اخطر الجهات هي القادرة على التبرير الثوري للثورة، او التبرير الرجعي لغدر الثورات.

و يستحضر “سليم دولة” ما سمّاه “الحدث النوفمبري” الذي يقول ان اغلب المثقفين كتبوا في الرئيس “بن علي” ما لم يكتبه “هيقل” في “نابليون بونابرت” دون اسحضار الحدّ الادنى من الوعي التاريخي والبعد النقدي، وهو المثقف النقدي التبريري مروّج الوعي الزائف. و من سوء حظّ تونس انّها لا تتوفر على كتلة حقيقية من المثقفين النقديين الذين من شأنهم ان يضطلعوا بمراجعة كلّ الارث الاستبدادي الذي مارسته السلطة السياسية عبر القرون. ان تونس التي تفاخر بمثقفيها تناست ان شاعرها الاكبر “الشابي” كتب ذات ليلة حزن تونسي “اني يائس من المشاريع التونسية”.

لقد كانت السلطة في تونس تحتكم الى نمط من المثقفين، الذين سرعان ما تنازلوا عن حصانتهم النقديّة، لينقضّوا زمن الثورة على الثروة والمكاسب والمناصب، فهم الذين كانوا يشيدون بزمن “الامن والامان”، وهم الذين كتبوا كتاب “من خير الي الى زين العابدين”، وهم الذين مجّدوا فضائل “الحكيمة ليلى بن علي” و قبلوا رشاوي قصر قرطاج ، وهم الذين يمسكون “الآن الثوري التونسي”. و يستدرك محدثنا بقوله ان هناك مغالطة على المستوى العقل السياسي.

اذ انّه و حسب رايه نرفع شعار المحاسبة الاقتصادية و المصرفيّة ونسكت عن اخطر واجدى وانفع انواع المحاسبات وهي الثقافية لتصفية كل الارث الثقافي التبريري للعنف الذي مارسته السلطة ضدّ مواطنيها. وأعني بالمحاسبة هي حملهم على الاعتذار الفعلي على ما ارتكبوه من اشكال تبرير و تزوير و غيلة و اغتيال سواهم من المثقفين مقابل المناصب و المكاسب واستقالة عقولهم على غرار “برنارد ليفي”. و يضيف انّه سرعان ما يستحيل المثقف التبريري جوّاب موائد و ان يتحوّل الى إمّعة امام السياسي، انا حزين و لست متشائم.

و يختم محدثنا في نهاية حديثه بالقول ان المطلوب من المثقف هو التفكير الجدّي في المساهمة في صياغة وجود حضاري، انطلاقا من وطنه الامّ، صياغة وجود وكيفيّة حياة من خلال الاقتصاد في تبذير الذكاء البشري. و يبدو ان من يحلمون بطوباويات جديدة لاعادة صياغة الكون الحضاري عددهم قليل.

فامّا ان يكون المثقف مع الحياة بجماليّة، امّا مع الخراب المعمّم للعالم. واستشهد بما كتبه سنة 1985 في كتابه “الجراحات والمدارات”:”اذا لم تظهر في هذه المرحلة بالذات كتلة من المثقفين العضويين لتدافع عن استقالته في هذا الظرف بالذات الذي يسير فيه المجتمع نحو كارثة لا يمكن تحديد معالمها… فان الموت سيوزع بالعدل بين المغضوب عليهم سلطانيا ..اميريا”

الضيف الثاني الذي كنّا سنحاوره في هذا الموضوع هو الشاعر الطيّب بوعلاق، وهو صاحب عديد القصائد المغناة، عرف باحيائه لامسيات وتظاهرات شعريّة في الاوساط النقابيّة التزم نفس القدر من المسافة عن السلطة قبل و بعد الثورة. هذا الشاعر يرفض مقارنته بغيره في ايّ مجال من باب الخجل و التواضع حتّى انّه اعتذر لنا عن المحاورة حينما علم ان “سليم دولة” هو من سيصاحبه في المقال قائلا انا استحي من وجود اقوالي بجانب اقوال قامة ثقافية كسليم دولة لاني لست في مستوى تحليلاته و رؤاه و انا من الناس الذين يؤمنون بالمثل القائل عاش من عرف قدره.

اقرأ ايضًا : 13 – قوايل الرمان

 

 

 

titre

ربما يعجبك أيضا…

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *