العهر الشريف

titre
YouTube

En chargeant cette vidéo, vous acceptez la politique de confidentialité de YouTube.
En savoir plus

Charger la vidéo

العهر الشريف

كنت و صديقي ماشيان تحت قطرات المطر وبين شوارع مظلمة ، لا كائن يجول هنالك غيرنا، حتى من الكلاب المتشردة فهي مفترشة الأرض و أخذة من السماء غطاء. فجأة و نحن نتبادل الحديث و الضحكات المتقطعة قدمت من أخر الشارع المقابل لنا سيارة مسرعة و رمت بفتاة من بابها الخلفي على الأرض ، فنهضت تشتم و تصرخ و الدم يسيل من فمها ، لتسقط أرضا مرة أخرى.

أسرعنا اليها وقمنا بسؤالها ما بك ؟ لكنها لم تستطع الاجابة ، من هؤلاء ؟ لما رموك بكل هذه الهمجية ؟ ما فعلوا بك ؟ لم تجب فأخذناها مستندة على كتفينا وتوجها الى الشارع الرئيسي واستقلنا سيارة أجرة نحو المستشفى . وبعد وصولنا وجدنا هنالك طبيبة وحيدة رفقة ممرضة ، فسألتنا عن قصة الفتاة فروينا لها ما شهدناه ، ولم تتصل بالشرطة فاستغربنا من الأمر لأنه من الواجب عليها فعل ذلك ، لكننا لم نسألها.

ثم دخلت على الفتاة وقامت باسعافها وهي تذرف دموعا وقائمة بأكثر من واجبها فلقد رأيناها من زجاج غرفة الاسعافات وهي تواسي الفتاة . بعد خروجها سارع صديقي اليها وبدأ يسألها : ما قصة الفتاة ؟ ولما تقومين بكل هذا ؟ ولما لم تتصلي بالشرطة ؟

فقالت و الدمع يسيل من عينيها الممتلئتين شفقة و ألم ، انها فتاة تمتهن الدعارة وأولئك من فعلوا بها هذا لم يوفوها أجرها لذلك تخلصوا منها بتلك الطريقة، اندهش صديقي لكني لم أفعل فقد كنت متوقعا وراسما القصة بذهني ، فقالت أيضا لم أتصل بالشرطة لأته بعد علمهم بالحقيقة سيحتجزونها . قلت لها شكرا لك ، لكن غالبية المجتمع لا يرحك مثل هكذا فتيات ما قصتك ؟

فأجابت و رأسها منحني نحو الأرض ، ” ولدت بالأرياف من أسرة شديدة الفقر، لم يكن يعيلنا غير والدي والذي بعد حلولي سن السادسة عشر توفي تاركا والدتي المريضة بداء السكري وطفلين صغيرين لم يتجاوزوا سن الرابعة ، وأنا . لاعائلة لنا كي تساعدنا على محنة الدهر و لا ارث لنا يعيلنا و لو لأيام

في صباح يوم الأحد استيقظت على بكاء ونواح والدتي ، ( يارباه ما هذا ، حرارتها جد مرتفعة ) أخذتها وبدأت أجول من مستشفى حكومي لأخر . لم أجد ولا طبيب واحد بالخدمة لأن اليوم يوم عطلة ، ولم أستطع الذهاب لمستشفى خاص لانعدام وجود مال بجيبي .

توفيت والدتي ، غادرت الدنيا و السبب هو الفقر ، والسبب هو الفقر ، والسبب هو الفقر اللعين . أقسمت بعدها أن أعمل وأوفر مصروف البيت ومصروفا لاخوتي الصغار ليدرسوا وأكمل دراستي بكلية الطب .

امتهنا الدعارة من أجل اخوتي ، من أجل العيش . أرافق شابا غنيا لقضاء ليلة حمراء و العالم ينظر الي على أنني سعيدة بما أفعل ويحسبونني كلبة مال ، أعذرهم حقا لأنهم لم يعيشوا ما عشت ولم يمروا بما مررت به … تحقق نصف حلمي استطعت حياة هنيئة لاخوتي الصغار وحياة لا أجد كلمات تصفها لي.

وأخيرا أخذت شهادتي وأصبحت طبيبة ، واشتغلت بالقطاع الحكومي ، وأقسمت أن أعمل بأيام العطل و بالليل أيضا ، كي لا يعاني أحد أخر مثلما عانيت ، نعم كنت عاهرة لكنني شريفة لأن ظروفي هي الدافعة والأن أخدم لرسالة نبيلة ، وبعد رؤيتي لهذه الفتاة وعلمت القصة الحقيقية لها والتي توقعتها مسبقا قدرت ظروفها “

انصرفت الطبيبة ورأسها مرفوع فخورة بما فعلت ، وتركت رأسينا مذلولين وعينيا تدمعان .

القصة تحكي معاناة تلك الشريفة الممتهنة للدعارة والتي تصفها أنت بأقبح الأوصاف و المجتمع ينبذها ، سميت المقال بالعهر الشريف وأعي ما أقول ، لا أشجع على الدعارة أبدا ، لكني أريد الاصلاح الجذري ، علينا بمحاربة الاسباب المؤدية لذلك العهر لا من يمارسه لأن الممارس بدوره ضحية اما للمجتمع أو للسلطة .

تريدون القضاء على الدعارة ؟ اليكم الحل الوحيد ، وهو اصلاح قطاعي التعليم و الصحة ، وفروا العيش الكريم و الهنيء ، عندها لن تتوجه تلك الفتاة لتمتهنها من أجل تحقيق السعادة الظاهرية .

لكل ظاهرة اجتماعية سلبية – أسباب سياسية.

ياسر التجيني – كتب بتاريخ 28-01-2017

اقرأ ايضًا : 09 – حصاد المواسم الست

titre

ربما يعجبك أيضا…

طلب حماية أمنيّة

طلب حماية أمنيّة

طلب حماية أمنيّة لقد اصبحنا نتعرّض باستمرار لتهديدات بالقتل على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الشارع يتعرّض أحد اعضاء الحركة وهو السيد وجدي المحواشي

بيان تنديد واستنكار

بيان تنديد واستنكار

بيان تنديد واستنكار بعد المحاولات المتكرّرة التي يقدم عليها مجهولون ناشطون على شبكة التواصل الاجتماعي من محاولات اختراق لحسابات اعضاء و قياديي حركة تغيير

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *