الفشل الحكومي في تونس جزاء الثاني
نواصل في هذا الجزء تشخيص انعكاس “التوافق الوطني” على قواعد حركة النهضة و غيرها من الانعكاسات.
اذ بعد ان انخرطت القواعد النهضويّة في عملية شيطنة موسّعة لحزب نداء تونس عند ظهورها و بعد ان قاد هذه الحملة عديد الوجوه القيادية في حركة النهضة، يذهب زعيمها راشد الغنوشي دون التباحث مع جلّ القيادات الى فكرة التوافق مع حزب رئيس الدولة متعللا بالمصلحة الوطنية، و التي هي في حقيقة الامر مجرّد عنوان يخفي به الاتفاقات التي حصلت مع الباجي قايد السبسي في مسألة التحريض الشعبي على حركة النهضة و استعمال القضاء لحلّها كحزب و عودة افرادها للسجون نتيجة الاداء الكارثي للحكومة التي كانت تترأسّها و اختفاء العديد من المبالغ المالية من خزينة الدولة لوجهة غير معلومة.
اذا هذا التمشي الذي اختاره رئيس حركة النهضة ادّى الى تراجع شعبيّة الحركة في الاوساط المتعاطفة معها و فقدان ارضية الثقة التي كانت تحظى بها، اما بالنسبة للشباب السلفي في حزب التحرير او الغير مهيكل و رواد المساجد فذهبوا حدّ تكفير حركة النهضة في ثوبها الجديد و التي استمات العديد ممن هم حول رئيسها في الدفاع عن خياراته و انزالها مرتبة الحكمة السياسية و العقلانية المتأنيّة.
غير ان محاولة تبييض هذا الخيار لم يكن بالنتائج المرجوة اذ تخلى العديد من الاحزاب الصغيرة الداعمة للنهضة عن هذا الدعم على غرار حزب محمد عبّو و منصف المرزوقي في نسختيهما الاولى و الثانية و العديد من المستقلين في الجمعيات و المنظمات و اهمها رابطة حماية الثورة التي كان طلاقها مع النهضة بعدم التراضي اذ قبلت النهضة التخلي عن دعمها و حلّها قضائيا و منعها من النشاط بعد ان تخلت هي نفسها عن الدعم الانتخابي لحركة النهضة.
الصعوبة الاخرى التي واجهتها حركة النهضة هي الاحتقان الشديد داخل مؤتمرها الاخير الذي حضره رئيس الدولة و القى كلمة داعمة للغنوشي امام انصار الحركة و قياداتها، استطاع الغنوشي الفوز برئاسة الحركة مرة اخرى غير ان الانتخابات الداخلية كشفت جليا عن وجود صراع محتدم و منافسين متعددين له و مناوئين لسياساته.
و فرض التحوير الجديد على الرئيس مبدأ الاقتراع في المكتب السياسي الا ان الغنوشي عاد من الغد و هدّد بالاستقالة اذا لم يعد القانون الى مبدأ التزكية له في اختيار اعضاء المكتب السياسي و كان له ما اراد. و عاشت حركة النهضة منذ تلك الفترة احرج لحظاتها من جراء الانتقادات الداخلية في داخل قواعدها و هياكلها و قياداتها التي وقع ابعاد الكثير منهم المناوئين لسياسة راشد الغنوشي.
مثلت الانتخابات البلدية الاخيرة اهمّ محطّة سياسية لاستجلاء تراجع شعبية حركة الاخوان المسلمين فرع تونس حيث خسرت ما يقارب المليون صوت كان في رصيدها في الانتخابات النيابية في 2014 رغم انّها حققت فوزا مهما في ما يقارب 190 بلدية.
هذه تقريبا اهم حصلية للتقارب و التوافق الذي توخاه راشد الغنوشي مع الرئيس الحالي و الذي رضي بالخسارة الاختيارية كقربان مقابل بقائه شريكا في السلطة و بذلك يكون قد اغلق الملفات المتخلدة في ذمّة العديد ممن تقلّد المناصب الحكومية من حركته.
استعان راشد الغنوشي بفريق عمل جديد و وجوه يعتقد ان لا اعتراض سياسي على توجهاتها لكن فريقه هذا كان عبارة عن مبتدئين سياسيين لا خبرة لهم في التسيير لا الاداري و لا السياسي و ظهروا في الاعلام بصورة المدافع عن تسويد البياض و تبيض السواد ولا أدلّ على سوء ادائهم من تلك التغييرات الوزارية الغير مفهومة التي تنتقل بهم من وظائف الى اخرى من دون برنامج او مشروع جدّي.
بالتالي فان المسار الجديد للاخوان المسلمين انبنى على عدم تكرار التسرع في الانفراد بالسلطة مرة اخرى و اتخاذ الوفاق الوطني ذريعة للتواجد في السلطة و التمكّن من التغلغل في اجهزة الدولة دون اثارة الفوضى او انتباه الراي العام المعارض ليس لوجودها في السلطة بل لعودتها للعمل السياسي في تونس.
و الخلاصة انّه و منذ البداية فان جوهر الوفاق الذي جاءت على اثره هذه الحكومات المستمرة الى اليوم كانت نتيجة فعلية لتوافق مصلحي بين نوعين من المصالح اولها عودة النظام القديم للحكم و ثانيها بقاء النهضة في الحكم اذا فالتوافق من البداية لم يكن لا وطنيا و لا من اجل المصلحة الوطنية بل حزبي من اجل تقاسم غنيمة السلطة و ما تقدمه لهما. هذه التسمية التي لمّعها الاعلام المساند المدفوع الاجر كما انكشف ذلك و انطلت على عديد من المساندين الذين ارتضوا لانفسهم بعد مسار سياسي طويل مسؤوليات هامشية ترضي طمعهم التاريخي في نيل بعض السلطة بصفة شريك و لو من الصنف العاشر.
كانت اذا نتائج هذا التوافق بهذه الكارثية انسجاما مع هشاشة الارضية التي انبنى عليها و التي في فراق تام مع مشروع وطني للوطن، اذا التوافق هو توافق على عدم المواجهة بين النهضة و النداء و ان صادف ان انفلتت بعض الرصاصات من هنا و هناك اعتبرت من كليهما نيران صديقة غير موجبة للردّ.
اذا في ظلّ كل هذا الهرج و المرج في ترتيب المشهد السياسي بما يتماشى مع مصلحة كليهما غاب المشروع و حضرت الاجراءات التي راينا في كل مرة تبادل تهم مقنع بين هؤلاء الاعدقاء، و غياب مشروع اقتصادي و اجتماعي وطني لانقاذ كل ما يعيشه الشعب التونسي من ويلات. فلم نرى حتى مجرّد خارطة طريق اقتصادية، و لم تعرض هذه الحكومة و لو الاستراتيجية الاجتماعية التي تسعى لتوخيها.
الحصيلة ان تغولت حركة النهضة في الدولة و استطاعت الوصول الى عدّة نقاط قوة في الدولة تمكنها من التحكم عن بعد او من تعطيل منافسيها، و في المقابل انقسم نداء تونس الى اشلاء يحاول الان ابن الرئيس و الرئيس لملمة بقاياه.
المحصلة النهائية هو ان الدولة التونسية هي اول ضحايا هذا التوافق الكاذب على الوطن و الذي سهّل لاطرافه الرئيسية نيل مآربه من الدولة التي اصبحت في حالة من الضعف استهوت الارهاب ليقوم بضربها و الفاسدين للهروب من المحاسبة و المترصدين لنيل الامتيازات. اما الشعب التونسي فهو كبير المتضررين من جميع الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و التي ستكون محل التحليل في الجزء الثالث و الاخير.
Everything is very open with a really clear clarification of the issues. It was truly informative. Your site is very helpful. Many thanks for sharing!