الفشل الحكومي في تونس جزاء اول
تمتنع الحكومة التونسية الحالية عن الاعتراف بعجزها التام عن ايجاد حلول للمشاكل المتراكمة في البلاد، هذا الامتناع مردّه حالة الكبرياء و الغرور التي أصابت هذا الائتلاف الحاكم الذي يتذرّع دائما بأنّه حائز على دعم الاغلبية البرلمانية، وهو حبل النجاة السياسي الذي أنقذ البلاد من الانقسام بين القوى السياسية الكبرى. كما انّ هذا الائتلاف يعتبر نفسه الوصفة السياسية الوحيدة القادرة على تأمين الوضع السياسي في تونس. فما حقيقة كل ذلك؟
كل يوم يمضي في تاريخ تونس المعاصر و تحديدا في ظلّ الحكومة الحالية ينكشف للقاصي و الدّاني ان الازمات التي تعيشها تونس بمختلف أنواعها و التي تضاعفت في الاونة الاخيرة مردّها الاوّل و الاخير هو الوصفة الحكومية الهجينة التي على اثرها جاءت حكومتي الحبيب الصيد و يوسف الشاهد. هاتين الحكومتين تكوّنتا خارج الاطار الانتخابي و الشعبي المزعوم ذات أكتوبر 2014 و لم تكونا صدى لها.
بل انّهما كانتا نتيجة اتفاقيات مصلحية ضيّقة كان اتحاد الشغل اجد المهللين لها. فحركة النهضة التي هي فرع التنظيم العالمي للاخوان المسلمين و بعد ان وقع الاطاحة بها من الحكم و في الانتخابات حافظت على وجود سياسي قويّ مكّنها من التفاوض من موقع قوّة مع حزب التجمّع المرسكل المتمثل في نداء تونس.
و اختار الباجي قايد السبسي الرئيس الحالي لتونس ان يحصل على دعم الاخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية مقابل القبول بائتلاف حكومي معهم، طيّب لو رجعنا قليلا الى الوراء و عادت الى اذهاننا الصورة الاولى التي كان عليها موقف حركة النهضة عند ظهور نداء تونس و شيطنته و تكفيره و اعتباره اخطر من الارهابيين و غير ذلك كثير غير ان شعار الوحدة الوطنية الذي استعمله التجمع و الاخوان و تجنيب البلاد الانقسام للدخول في مرحلة جديدة من التماهي السياسي.
لم يكن ليرضي القواعد الواسعة لها التي تذمرت من هذا التضادد في المواقف. فبالنسبة لقواعد حركة النهضة الاخوانية سنفرد لها تحليلا خاصا في الجزء الثاني من هذا المقال، لكن الان سنتناول بالتحليل انعكاسات هذا التحالف على حركة نداء التجمع و على المشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي في تونس.
مثّل هذا التحالف السابق ذكره وبالا على حزب الرئيس الحالي الذي كشف عن صراع محتدم بين العديد من اجنحة الحزب التي برزت أهمّها في تبادل الشتائم بين المسؤولين داخله و انتهت بخروج العديد من الحزب و تأسيس احزاب جديدة و كذلك بالنسبة للكتلة البرلمانية لهذا الحزب. و انتقل الصراع بينهم
جميعا من داخل الجز بالى المنصات الاعلامية و منه الى اجهزة الدولة على اعتبار ان العديد من كوادر الدولة اعلنوا انتمائهم الى حزب الرئيس سابقا، ففي فترة حبيب الصيد هذا الرجل الذي لا تاريخ سياسي له و خبرة و لا حنكة في التعامل مع مثل هذه التوليفات السياسية التي أتت به الى الحكم مصادفة جعلت منه كثير الترددّ في أخذ عديد المواقف التي كان لا بدّ له ان يتخذّها.
غير ان شعوره بالامتنان لرئيس الدولة الذي استقدمه للحكم جعل منه يفكّر ألف مرة ان ذهب عكس سياسات الرئيس و تحالفاته و مع تراكم الازمات و المشاكل في البلاد و تراكم الملفات اصبح عدم اتخاذ الحبيب الصيد لقرارات حاسمة في عديد الوضعيات نقطة ضعف ضدّه و دلالة واضحة على عجزه خاصّة بعد ان استطاعت شبكة النداء الموجودة في موقع السلطة عرقلة جلّ دواليب الدولة.
هنا كانت الفرصة متاحة امام خصوم هذا التحالف من داخل حزب الرئيس لاقناع الرئيس بضرورة التخلي عن الحبيب الصيد وهو ما حصل بعد ان خرج الاخير من السلطة مطرودا برلمانيا. و أتى بيوسف الشاهد على قاعدة نفس اخر للتحالف و وثيقة قرطاج و غيرها من المسميات الفارغة التي كانت مدار الاتفاق بين رئيس غرع حركة الاخوان المسلمين بتونس و الرئيس الحالي.
بكثير من الانتهازية المقيتة واصل هذا التحالف عمله آخذا على عاتقه الهمّ الاوّل هو التراضي السياسي بينهما فقط لا غير، و لم يأخذ في حسبانه انّ رضاء الاحزاب عن بعضها و تقاسم السلطة السياسية ليس غاية في ذاته و ان مجرّد التحالف او التوافق السياسي لضمان عدم عرقلة احدهما للاخر كفيل ببناء وطن يئنّ تحت وطأة الازمات المتعددة و المستجدّة، و مضى هذا الرهط السياسي في الحكم تحت موافقة البرلمان و عدم الرضاء الشعبي.
و بدأ يتضح جليا للوطن و المواطن ان هذا التشكيل الحكومي الجديد الذي أتى بنكرات عدة و وزراء لم يكملوا تعليمهم و ليس في رصيدهم و لو شهادة جامعية واحدة ان الازمة اصبحت ازمات و ان المشكل تضاعف الى مشاكل.
فثبتت مسألة تحكّم صندوق النقد الدولي في كل مفاصل الاقتصاد التونسي الذي ما فتئ يسجل العجز تلو العجز و ارتفاع المديونية له و لغيره من المقرضين و الذي ساهم في تصنيف تونس كجنة ضريبية و انخفاض مرتبتها في التصنيف الائتماني اي القدرة و المصداقية في تسديد الديون و وجهة سياحية غير امنة و مع الانهيار السريع لقيمة الدينار التونسي الذي كان وفق استراتيجية اروبية لم تلقى معارضة من المسؤولين في القطع و مع ارتفاع الضرائب و الاسعار بات الوضع الاقتصادي في احلك صوره .
هذه النتائج الكارثية كانت حصيلة اجراءات اقتصادية اتخذتها الحكومة الحالية و التي اكتفت بثقافة الاجراءات العاجلة في ظلّ غياب برنامج و استراتيجية اقتصادية لبناء منوال و نموذج اقتصادي جديد ينتج الثروة و منها تستحدث فرص التشغيل لامتصاص معدل البطالة الذي ظل في ارتفاع متزايد في العشرينية الاخيرة.
وفي المقابل تواصل الصمت الحكومي على جريمة الغشّ الضريبي التي تعدّ احدى اهمّ المهن التي تنفرد بها شريحة واسعة من رجال الاعمال تحت غطاء اتحاد الصناعة و التجارة الشريك المهم في الحوار الوطني و التوافق الوطني، كما تواصل غض النظر على شبكات التهريب العلنية في المرافئ البحرية و التجاهل للضرائب المتخلدة في ذمة العديد ممن هم حول السلطة و تجاهلت الحكومة ايضا متابعة الاموال المهربة للخارج و القروض المسندة و الغير مسددة من فترة النظام البائد.
كما تضح للعيان عدم سيادة الحكومة على ثرواتها من خلال العقود القديمة المتجددة على العديد من الثروات الوطنية و التي حرم منها الشعب لتنال بها الحكومات المتعاقبة رضاء الخارج الناهب للثروات. كما تبيّن ان حكومة التراضي بين العجوزين لم يكن على جدول اعمالها بناء دولة عصريّة خربتها ايادي العمالة البورقيبية و النوفمبرية و ساهمت في تخلّف شعبها و خراب مؤسساته الادارية و قيامها على الرشوة و المحسوبية، على العكس تماما فانذ وجود الرئيس الحالي في غرفة نوم معلّمه و ملهمه الحبيب بورقيبة الرئيس الاول للجمهورية التونسية هي كل امانيه و ان يبقى الغنوشي خارج السجن مع زمرته هي اقصى ما سعى اليه.
اذا فما نراه من اسماء على على قائمة المسؤولين في الحكومة و في المناصب الرفيعة لم يكن وفق مشروع وطني و برنامج اقتصادي و اجتماعي بل كان وفق محاصصة حزبية و محاباة شخصية من هنا و هناك الشيء الذي جعل من المسمى مهدي بن غربية هذا الذي ليس له لا شهادة جامعية و لا تاريخ نضالي ضد القمع و الاستبداد و الذي تلاحقة تهمة الفساد المالي و الاداري بشركة متعاملة مع الخطوط الجوية التونسية، هذا الشخص اصبح وزيرا لحقوق الانسان في ظلّ هذا الدجل من الوفاق السياسي.
امّا حصيلة التردّي في الاداء السياسي فكانت قاسية جدّا من الناحية الاحتماعية و التي سنواصل الحديث عنها في الجزء الثاني لهذا المقال.
0 تعليق