الوشم الأمازيغي
الوشم الأمازيغي : تاريخ من الرسومات والعلامات بين الصخور و جسد الانسان.
فهي التي توشم عند سن البلوغ لتعلن عبر الأشكال والرموز والرسوم دخولها مرحلة النضج. وتضع الوشم في مختلف مناطق جسمها، كالوجه والذراع واليد والصدر والنهدين والرجلين والمناطق الحساسة من جسدها، ليتحول إلى لوحة فنية تخاطب الآخر لإثارة إعجابه. فيصبح للوشم دلالة جمالية إغرائية. أما الرجال فيكتفون ببعض الوشوم في اليد والذراع والأرجل.
الرسوم التي تملأ جسد الفتاة ليست عبثية، ولكل رمز دلالاته. من أبرز الرسوم المنتشرة عند غالبية الأمازيغيات علامة زائد (+)، ترسم على الخد وتعني حرف تاء في الحروف الأمازيغية، وهو اختصار لكلمة “تامطوت”، التي تعني الأنثى الجميلة. كما تختلف معاني الرموز حسب موضعها في الجسد، فالتي ترسم على النهدين مثلاً تحمل دلالات الخصوبة.
كذلك مارس الأمازيغ الوشم لغايات طبية، إذ كانوا يعتقدون أنه يشفي من الأمراض ويطلب الخصوبة للعاقر، ويدفع الحسد والعين ويحمي من الأوبئة. فكانوا يوشمون نقطة بجانب الأنف للحماية من أمراض الأسنان، أو بجانب العين للوقاية من الأمراض التي تصيب العيون.
حيث ان كان للوشم خصائص علاجية اكثر من كونها جماليه فهم كانو ييتخدمون الرماد والحليب كمواد طبيعية مصنعة للوشم فقد كانو يحمون اجسادهم من امراض الجدري والتهاب المفاصل كما كان سائدا انذاك.
كما أن للوشم وظائف غيبية، وكان يعتقد أنه يبعد الأرواح الشريرة ويبطل السحر، ويبعد الفقر والبؤس، عن طريق الرسوم والرموز التي توضع بدقة متناهية.
ومن بين أكثر الرموز استعمالاً النحلة، الحلزون، الثعبان، سنابل القمح، الشمس، العقرب، النجوم، غصن الزيتون، ورموز أخرى تحمل معاني كثيرة، وبعضها يرمز لمكان كل قبيلة أمازيغية.
حول الوشم جسد الإنسان الأمازيغي إلى لوحة فنية مقروءة غنية بالرموز والرسوم، تروي للأجيال اللاحقة خصائص هذه الحضارة، وتعكس النظام القيمي والثقافي لتلك المجتمعات.
مع ظهور الإسلام وانتشاره في البلاد واعتناق الأمازيغ له، لم يتخلوا عن هذه الممارسة رغم تحريم الأحاديث النبوية للوشم، بل انتشر أكثر خصوصاً لدى المجتمعات القبلية والبدوية والريفية، وتوارثته الأجيال حتى الاستقلال تقريباً (منتصف القرن العشرين)، حينها سيصبح للوشم دلالات مغايرة.
مع ستينيات القرن الماضي والدولة الحديثة، أصبح للوشم غايات مختلفة تماماً، وبدأ يفقد طابعه الأصلي، ولم يعد يحمل دلالاته الأصلية. وبات من العيب أن توشم المرأة، واقترن فقط بالرجال، وبالمفهوم الشعبي بالمنحرفين أو العاطلين عن العمل.
تغيرت الرسومات وأماكنها، ولم يعد الوجه مساحة لها، وأصبحت توضع أساساً على الرقبة والذراع والكتف والأرجل. ولم يعد للوشم أي رابط جماعي، وأصبح لكل رسم أو رمز دلالة تخص صاحبها فقط. وانتشرت رسوم ورموز القوة، مثل صور النسر والعقرب والتنين والأفعى، إضافة إلى الحرف الأول من اسم شخص ما، أو اسم الحبيبة.
السجون بدورها كانت حاضنة لعمليات الوشم بطريقة سرية، إذ يتم إدخال أدوات حادة بطرق غير قانونية، أو صنعها في السجن، ويجري استعمال حبر الأقلام الجافة. ويلاحَظ أن غالبية الرسوم التي توشم في السجن هي رسوم تحمل معاني الحرية والحياة، مثل الشمعة والمرساة والشمس.
مع الألفية الجديدة، ومع ما يعرف بأبناء الجيل الجديد، بدأ الوشم يفقد خصوصياته التقليدية ووسائله الأولية، وجانبه الهوياتي الأنتروبرلوجي، تأثراً بالمتغيرات التقنية. لكنه عاد ليشمل الذكور والإناث على حد سواء، كما بدأ مع الأمازيغ، وجميع الفئات العمرية. وأصبح ظاهرة في الشارع التونسي.
ولئن استعمل الأمازيغيون واللاحقون الذين توارثوا هذه العادة، خصوصاً في المجتمعات الريفية، اللون الأخضر وبصفة أقل اللون الأسود (استعمل الأسود لإبعاد السحر والأرواح الشريرة بحسب المعتقدات)، فإن أجساد الجيل الجديد أصبحت تحمل كل الألوان. وترجع عودة انتشار الوشم بطرقه الجديدة لانتشار المحالّ المختصة به، والتي أصبحت تستقطب الكثيرين، خصوصاً في فصل الصيف الذي يمثل مناسبة للتباهي بهذه الزخارف وإبرازها للعيان.
أما أسباب الإقبال على التاتواج فعديدة وتختلف من شاب إلى آخر، فالشباب اليوم يبحثون عن الاختلاف في المظهره بعيداً عن المألوف. كما أن للتقليد دوراً كبيراً في ذلك، إذ أصبح الشباب يقلّدون المشاهير من فنانين وممثلين ورياضيين حتى في نمط عيشهم.
كذلك لعبت العولمة بوسائلها المختلفة دوراً مهماً في انتشاره. ففي شهر رمضان 2015، عرضت قناة تونسية خاصة مسلسلاً تونسياً يحمل بطله وشماً يمتد من عضده إلى كتفه، ولقي المسلسل نجاحاً كبيراً ونسب مشاهدة عالية، لتنتشر على إثره عمليات التقليد للرسم الذي حمله البطل. فأصبح الوشم رمزاً لـ”أولاد مفيدة”، عنوان المسلسل الذي اعتبره البعض تجسيداً لحياة فئة كبيرة من الشباب التونس.
نزار غريدقي
الربط
اقرأ ايضًا : 07 – ارّيف.. أنشودة العودة
0 تعليق