حربنا الحقيقية
إن حربنا الحقيقية في شمال إفريكا (تامزغا) هي ضد الأيدولوجيا الإسلامية التي تضع الدين والقومية والهوية في خانة واحدة وهي الإسلام، وهكذا يتحول إلى قومية مقدسة جديدة تمسح الثقافات وتتجاوز كل الحدود الجغرافية والتاريخية.
إن القاريء للتاريخ سيرى بأن الأمازيغ في القرن السابع دافعوا عن الأرض ولكن تنازلوا عن العقل، فمثلا الغزو الأموي استنزف الأمازيغ لسبعين عام من المقاومة والمعارك واستمر من عام 643 إلى 709 حيث استقر الحال لـِ الأمويين حتى عام 740 الذي يعتبر تاريخ ما يسمى في المصادر العربية “ثورة البربر”.
والتي انهت الحكم الأموي لشمال إفريقيا الذي لم يتجاوز 31 عام بعد حروب دامت 66 عام، انتهت بهزيمة الأمويين في معركة الأشراف بالقرب من تينّج (طنجة) ولكن بعد الإحتكاك انتقل المرض لهذا الجسد وبدأت القبائل الأمازيغية تحديداً الصحراوية من زناكن بتأسيس الروابط وهي عبارة عن مراكز عسكرية لمحاربة المرتدين عن الإسلام وكانت نواة للمساجد والتعريب وفيما بعد الزاويا التي فرخت لنا ملايين الأشراف من سنوسيين وسعديين وعلويين وادارسة! واستغلت القبائل الصحراوية الإسلام للوصول للسلطة في ضل صراعها مع قبائل زناتن ومصمومدن وغيرها.
ولكن هذه القبائل كانت سبب في كوارث لن تنهض منها المنطقة فمثلا هي التي دعمت المذهب الشيعي عن الإباضية والمالكية والذي فيما بعد سبب في عقاب يعاقبون لإمازيغ بإرسال قبائل بني هلال وبني سليم والتي في إطار صراع زناتن وزناكن تم السماح لها لمحاربة المعز بن باديس والتخلي عنه، وهذه
كانت بداية سقوط الدول الأمازيغية، استمر هذا من بداية القرن الحادي عشر حتى منتصف القرن الرابع عشر مع سيطرة الأشراف وتحييد الأمازيغ من المجتمع كأعلى طبقة في النظام القبلي القديم واضف لهذا وصول العثمانيين الذي ادخل المنطقة في مرحلة الإنحطاط. ولكن لماذا انهار الأمازيغ وتم شطبهم من كتب التاريخ ومحوهم من الجغرافيا؟
السبب الأساسي هو بأنهم دافعوا عن المادي وتجاهلوا اللا مادي، لم يدونوا لغتهم قديماً ولم يحفظوا أساطيرهم وقصصهم! وكما يقول سعيد سيفاو المحروق “الشعب لم يجد الوقت لكي يكتب أساطيره … بالحبر أو بأي مداد أخر، كتبها بشفاهه على الهواء أو على رمل الصحراء وما من ريب في أن الرياح اكتسحت ذاكرته” بعبارة أخرى: تعلقوا بعالم الظواهر اي ما يطفوا على السطح وتناسوا عمقهم الهوياتي والثقافي وهكذا في الوقت الذي كان يحاربون في ساحات المعارك كان العدو يتسلل داخل عقولهم ينسج أحلامهم ويشكل مفاهيمهم وقيمهم.
وهذا ما اشار إليه المفكر الصافي مومن في مؤلفاته بأن (الأمازيغ) كانوا يدافعون عن التراب/الأرض ولكن يتركون عقولهم بدون حراسة أو دفاع وهكذا يتحولون إلى ذلك الأخر الذي كانوا يحاربونه ويفتحون له الباب فيما بعد، فأصبحوا شعب مقطوع من تاريخه يحمل داخله فايروس خلق خوف مقدس من التفكير بأنه سبب كل العوارض من جهل وتخلف وديكتاتورية.
الخلط بين النتيجة والسبب هو من وجهة نظري أكبر مشاكلنا، فسبب الكثير من مشاكلنا هو الإسلام في ذاته مما يحمل من ثقافة وقيم التي تعتبر عائق ابستمولوجي لعقل الإنسان في شمال إفريكا، ولكن رغم هذا يخلط الأغلبية بين نتائج الإسلام على أنها أسباب لنتائج أخرى، فيعتقد البعض بأن الجهل والتخلف من نتائج سبب أخر وهو الإستعمار الغربي السابق أو الأنظمة الحاكمة ولكن هذه في ذاتها هي نتائج لإسباب أقدم وأكثر عمقاً، ومهما حاول البعض أن يعالج عوارض المرض فالمرض سيبقى دائماً يخلق عوارض أخرى وسيبقى هذا الجسد عليلاً.
بقلم : مهند بنّانة
0 تعليق